المواطنة … الفطرة والانتماء

المواطنة … الفطرة والانتماء

المواطنة هي الهوية الثقافية للفرد، ولأهل مجتمع الأمة التي تميزه بسمات وخصائص عن مواطني أمة أخرى. فالمواطن العربي يستمد من خصائص شخصية أمته مكونات ثقافية تتمثل بالإيمان والفكر والآداب والاجتماع والفنون والأعراف وغير ذلك، وهذه الخصائص للمواطن العربي والمسلم تميزه عن مواطن آخر من قومية أخرى. والمواطنة في أساسها التعددية؛ أي أن المواطنين في أمة يكونون متنوعي المعتقد والاهتمامات والفكر السياسي والمفاهيم الاجتماعية، ولكن هذه التعددية تجعلهم يتكاملون في إطار المواطنة الصالحة، وبذلك يكون في مرتكزات المواطنة قبول الشريك في الوطن والتأسيس لعيش مشترك.

نصل من ذلك إلى القول، إن المواطنة هي وحدة الولاء، ووحدة الانتماء من قبل كل المكونات السكانية

لأهل البلد، أو الأمة فالوطن يحتضنهم جميعاً، والمواطنة تقضي كذلك التزام منظومة القيم الأصيلة في الأمة، وهذا معناه عدم قبول أي وافد لا يتناسب مع شخصية الأمة، كما أن المواطنة توجب الالتزام والمسؤولية، والاستعداد لأداء الدور من قبل الأفراد والجماعات بما يُعلي من شأن الوطن، ويشيد بناءه على أساس العزة والكرامة.

إن كل إنسان سوي يولد مفطوراً على حب وطنه والتعلق به، لأنه تربى بين جنباته، وتقوت من ثمراته، وروى ظمأه من مائه وتشبعت شخصيته بمنظوماته القيميّة، وحمل هويته الثقافية.

حب الوطن تعبير عن الوفاء عند الإنسان، وهو موقفٌ حكيمٌ يعبر عن شخصيّة مستقيمة صالحة تعلم أنّ الوطن هو الكرامة وفي رحابه تتوافر للإنسان الحرية والعدالة والعزة. ولقد عبر المؤرخ العربي المسعودي خير تعبير عن الوطنية، حين قال في كتابه:» مروج الذهب «: وقد ذكرنا الحكماء – فيما خرجنا إليه من هذا المعنى – أن من علامة وفاء المرء، ودوام عهده، حنينه إلى إخوانه، وشوقه إلى أوطانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه، وأن من علامة الرشد أن تكون النفوس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة.

وقال ابن الزبير: ليس الناس بشيٍء من أقسامهم أقنع منه بأوطانهم. وقال بعض حكماء العرب: عمر الله تعالى البلدان بحب الأوطان.

وفكرة المسعودي هذه هي الفطرة التي أكدها الإسلام، والأنموذج هو: عندما اشتد الأذى على الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة، كانت هجرته مع صحبه إلى المدينة، وعندما أخرج من مكة المكرمة خاطبها قائلاً: «ما أطيبك من بلدة، وأحبك إلى. ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك.. (أخرجه الترمذي في السن والحاكم في المستدرك).

هذا الحنين إلى مكة يعبر عن مستوى رفيع من الحنين إلى الوطن ومن التزام خط المواطنة الصحيحة. فهذا الارتباط بالوطن الذي تترجمه وطنية مشبعة بمفاهيم الإيمان والوفاء، والقيم والحضارة، والالتزام السليم، ظهرت كذلك عند أتباع الإسلام منذ عهد النبوة حيث انتسب كثير منهم إلى بلده فقيل: بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي. أو انتسب، بعضهم إلى قومه حيث قيل: أبو ذر الغفاري. وعندما يسير، الباحث مع التاريخ العربي والإسلامي متابعا يجد أن العلماء من اختصاصات عدة قد انتسب إلى موطنهم وبلدانهم ولم يعب عليهم أحد ذلك، فهناك مثلاً الحجازي، والمصري، والمغربي، والأندلسي، والدمشقي، والبغدادي، والأصفهاني، والرازي، والبخاري…

تأسيسا على ما تقدم يكون الانتماء إلى الوطن أصلاً وفطرة في كل إنسان ولا يُنكره إلا معاندٌ أو أحمقٌ أو متنكرٌ خائنٌ لانتمائه.

 

 

أ.د. أسعد السحمراني

كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الاسلامية- بيروت

شارك المقال إن أعجبك؟

اترك تعليقاً

3 Comments

خديجة عثمان
Reply

يرتبط الإنسان ارتباطًا وثيقًا بوطنه، فيحبّه ويعشقه، وتتولّد في علاقة الإنسان بالوطن رابطة الإنتماء، فمن غير انتماء المرء لوطنه يُضبح بلا وطن، ومن أصبح بلا وطن يفقد قيمته وكرامته، حتّى المهاجرين والمُغتربين لا ينقطع انتماءهم لأوطانهم مهما طالت فترة الغياب
نرحل ويحتلّنا الوطن، أرواحنا لا ترحل عن الوطن إطلاقًا، نرحل ويسكننا الوطن، وفي كلّ ترحالنا نتوجّه دومًا للوطن.
إذا ما كانت الأرواح مُصابةٌ بأيّ داء فالوطن الحبيب هو الدّواء.
مهما رحلنا ومهما سافرنا ومهما غيّرنا الأماكن وطالت المسافات، نحمل الوطن في قلوبنا لا يُفارقنا، يُلازمنا في البعد، ويُطيّب خاطرنا في الحزن

أغسطس 1, 2022
حنان دباس
Reply

اكيد المواطنة شي اساسي وهد لشي بيخلق معنا ويلي مابيعترف فيا بكون خاين و ومابيستحق انو ينتمي لهل وطن لاني النواطنة بتعني اني قدم تضحيات متعددة كرنال وطني بالمقابل لازم كون عم حي بهاد الانتماء يلي هو رح يخليني اتشجع لهيك تضحيات

يوليو 31, 2022
عبد الرحمن السيد ابراهيم
Reply

نعم صحيح يكون الانتماء إلى الوطن أصلاً وفطرة في كل إنسان ولا يُنكره إلا معاندٌ أو أحمقٌ أو متنكرٌ خائنٌ لانتمائه
ويل لامه لاتشارك في بناء وطنها … ويل لامة تذم وطنها وتمدح اوطانا اخرى مرت عليها غريبة,وهل ينفع الغريب غير وطنه … الغريب غريب.
ينقصنا الكثير لتعلمه عن المواطنه … حياكم وشكرا للكاتب والناقل والقارئ

يوليو 31, 2022

Leave a comment

مقالات مشابهة